سبحان الذي أعطى بعض البشر خصائص تجعل الناس تتحلق حولهم، وتحبهم، وترجوهم، وتألفهم.
تأملوا ذات اليمين وذات الشمال، ألا ترون من يستمتعون بخدمة الناس، والبذل لهم، والعمل من أجلهم، حتى لتراهم يتبرعون بالمساعدة، ويبادرون عرض الخدمة، ويكررون تقديم العون المرة تلو المرة.
بعض البشر لا يستمتعون بالأخذ، بقدر متعتهم بالعطاء، حتى إنك تراهم يجسدون أبيات الشعر العربي القديم لزهير بن أبي سلمى:
تراهُ إذا ما جئته متهــللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فلو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والبحر ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه
دعاه لقبض لم تطعه أنامله
إن عطاء هؤلاء، لا يرتبط بكثرة ما لديهم، ولا بوفرة ما عندهم، بل تجذر العطاء عندهم، حتى بات مطمعهم البذل، واستأصل الكرم عندهم، حتى صارت هباتهم عنواناً لهم يستدل بها الناس عليهم، ولله در أبي الطيب يوم قال:
وكُـلُّ امـرِىءٍ يُـولي الجَـمِيلَ مُحببٌ
وكُــل مَكــانٍ يُنبِـتُ العِـزَّ طَيـبُ
على أني ألفِتُ هنا، أن الذين أتحدث عنهم، هم من آحاد الناس، وليسوا بالضرورة من علية القوم، كما أن عطاءهم ليس مرتبطاً فقط بالمال، بل إن من تضييق معنى العطاء ربطه بالمال فقط، فهم يعطون من وقتهم، وجاههم، واهتمامهم... بل إن من معاني العطاء، إرخاء الأذن لسماع الشكوى، وحسن الإنصات لمن يبذل همه ويشرح غمّه.
إذا استقر ذلك، باتجاه ما لدى هؤلاء الدرر من كرم، فإن العرب كانت تقول إن الكرم يدمح كل زلّة، ولذلك يحسن أن نقول في هؤلاء الرائعين ما قاله الشاعر الأول:
وإذا المليحُ أتى بذنبٍ واحدٍ
جاءت محاسنهُ بألفِ شفيعِ
موضوع: وإذا المليحُ أتى بذنبٍ واحدٍ 
الأربعاء يوليو 02, 2008 4:09 pm